سورة الأحزاب - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


قوله تعالى: {مِنَ المؤمنين رجال صَدَقوا ما عاهدوا الله عليه} اختلفوا فيمن نزلت على قولين.
أحدهما: أنها نزلت في أنس بن النضر، قاله أنس بن مالك. وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: غاب عمِّي أَنَس بن النَّضْر عن قتال بدر، فلمَّا قَدِم قال: غِبْتُ عن أوَّل قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن أشهدني اللّهُ عز وجل قتالاً لَيَرَيَنَّ اللّهُ ما أصنع، فلمّا كان يوم أُحُدٍ انكشف الناسُ، فقال: اللهم إِني أبرأُ إِليكَ ممَّا جاء به هؤلاء، يعني المشركين، وأعتذر إِليك ممَّا صنع هؤلاء، يعني المسلمين؛ ثم مشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أي سعد، والذي نفسي بيده إِني لأجد ريح الجنة دون أُحُد، واهاً لريح الجنة. قال سعد: فما استطعتُ يا رسول الله ما صنع؛ قال أنس: فوجدناه بين القتلى به بِضْع وثمانون جِراحة، من ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورَمْيَة بسهم، قد مثَّلوا به؛ قال: فما عرفناه حتى عرفتْه أختُه بِبَنانه؛ قال أنس: فكنّا نقول: أُنزلت هذه الآية {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فيه وفي أصحابه.
والثاني: أنها نزلت في طلحة بن عبيد الله، روى النزَّال بن سَبْرة عن عليّ عليه السلام أنهم قالوا له: حدِّثنا عن طلحة، قال: ذاك امرؤٌ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى {فمنهم من قضى نحبه} لا حساب عليه فيما يستقبل. وقد جعل بعض المفسرين هذا القدر من الآية في طلحة، وأولها في أنس. قال ابن جرير: ومعنى الآية: وَفَواْ لله بما عاهدوه عليه. وفي ذلك أربعة أقوال.
أحدها: أنهم عاهدوا ليلة العقبة على الإِسلام والنصرة.
والثاني: أنهم قوم لم يشهدوا بدراً، فعاهدوا الله أن لا يتأخَّروا بعدها.
والثالث: أنهم عاهدوا أن لا يفرُّوا إِذا لاقَواْ، فصَدَقوا.
والرابع: أنهم عاهدوا على البأساء والضرَّاء وحين البأس.
قوله تعالى: {فمنهم من قضى نَحْبه ومنهم من يَنْتَظِرُ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: فمنهم من مات، ومنهم من ينتظر الموت، قاله ابن عباس.
والثاني: فمنهم من قضى عهده قُتل أو عاش. ومنهم من ينتظر أن يقضيَه بقتال أو صدق لقاءٍ، قاله مجاهد.
والثالث: فمنهم من قضى نَذْره الذي كان نذر، قاله أبو عبيدة. فيكون النَّحْب على القول الأول: الأَجْل؛ وعلى الثاني: العهد؛ وعلى الثالث: النَّذْر. وقال ابن قتيبة: {قضى نحبه} أي: قُتل، وأصل النَّحْب: النَّذْر، كأن قوماً نذورا أنهم إِن لَقُوا العدوَّ قاتَلوا حتى يُقتَلوا أو يَفتَح اللّهُ عليهم، فقُتِلوا، فقيل: فلان قضى نَحْبَه، أي: قُتِل، فاستعير النَّحْب مكان الأَجَل، لأن الأَجَل وقع بالنَّحْب، وكان النَّحْبُ سبباً له، ومنه قيل: للعطيَّة: {مَنْ}، لأن من أعطى فقد مَنَّ.
قال ابن عباس: ممَّن قضى نَحْبه: حمزة بن عبد المطلب، وأنس بن النَّضْر وأصحابه. وقال ابن إِسحاق: {فمنهم من قضى نحبه} من استُشهد يوم بدر وأُحُدٍ، {ومنهم من ينتظرُ} ما وعد اللّهُ من نصره، أو الشهادة على ما مضى عليه أصحابه {وما بدَّلوا} أي: ما غيَّروا العهد الذي عاهدوا ربَّهم عليه كما غيَّر المنافقون.
قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللّهُ الصَّادِقِين بِصِدقهم} وهم المؤمنون الذين صدقوا فيما عاهدوا {الله} عليه {ويعذِّبَ المنافقين} بنقض العهد {إِن شاء} وهو أن يُميتَهم على نفاقهم {أو يتوبَ عليهم} في الدنيا، فيخرجَهم من النفاق إِلى الإِيمان، فيغفر لهم.
{وردَّ اللّهُ الذين كفروا} يعني الأحزاب، صدَّهم ومنعهم عن الظَّفَر بالمسلمين {بِغَيْظهم} أي: لم يَشْفِ صدورهم بِنَيْل ما أرادوا {لم ينالوا خيراً}. أي: لم يظفروا بالمسلمين، وكان ذلك عندهم خيراً، فخوطبوا على استعمالهم {وكفى اللّهُ المؤمنين القتال} بالريح والملائكة، {وأَنزل الذين ظاهروهم} أي: عاونوا الأحزاب، وهم بنو قريظة، وذلك أنهم نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد، وصاروا مع المشركين يداً واحدة.
وهذه الإِشارة إِلى قصتهم.
ذكر أهل العِلْم بالسِّيرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا انصرف من الخندق وضع عنه اللأْمة واغتسل، فتبدَّى له جبريل، فقال: ألا أراك وضعت اللأْمة، وما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة؟! إِن الله يأمرك أن تسير إِلى بني قريظة فانِّي عامد إِليهم فمزلزِل بهم حصونهم؛ فدعا عليّاً فدفع لواءه إِليه، وبعث بلالاً فنادى في الناس: إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن لا تصلُّوا العصر إِلا ببني قريظة، ثم سار إِليهم فحاصرهم خمسة عشر يوماً أشدَّ الحصار، وقيل: عشرين ليلة، فأَرسلوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَرْسِل إِلينا أبا لُبَابة بن عبد المنذر، فأرسله إِليهم، فشاوروه في أمرهم، فأشار إِليهم بيده: إِنه الذَّبْح، ثُمَّ ندم فقال: خنتُ اللّهَ ورسولَه، فانصرف، فارتبط في المسجد حتى أنزل الله توبته، ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمَّر بهم رسول الله محمدَ ابن مَسْلمة، وكُتِّفوا، ونُحُّوا ناحيةً، وجُعل النساء والذُّرِّية ناحيةً. وكلَّمت الأوسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يَهَبَهم لهم، وكانوا حلفاءهم، فجعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحُكْمَ فيهم إِلى سعد بن معاذ»؛ هكذا ذكر محمد بن سعد. وحكى غيره: أنهم نزلوا أوَّلاً على حكم سعد بن معاذ، وكان بينهم وبين قومه حلف، فَرَجَواْ أن تأخذه فيهم هوادة، فحكم فيهم أن يُقتل كلُّ مَنْ جَرَت عليه المَوَاسي، وتُسبى النساء والذراري، وتُقسم الأموال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حكمتَ بحُكم الله من فوق سبعة أرقعة»؛ وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بهم فأُدخلوا المدينة، وحُفر لهم أُخدود في السوق، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه، وأُخرجوا إِليه فضُربت أعناقهم، وكانوا ما بين الستمائة إِلى السبعمائة.
قوله تعالى: {مِنْ صياصيهم} قال ابن عباس وقتادة: من حصونهم؛ قال ابن قتيبة: وأصل الصيَّاصي: قرون البقر، لأنها تمتنع بها وتدفع عن أنفسها؛ فقيل: للحصون: الصياصي، لأنها تَمنع، وقال الزجاج: كل قرن صيصية، وصيصية الديك: شوكة يتحصن بها.
قوله تعالى: {وقَذَفَ في قلوبهم الرُّعب} أي: ألقى فيها الخوف {فريقاً تقتُلون} وهم المُقاتِلة {وتأسِرون} وقرأ ابن يعمر، وابن أبي عبلة: {وتأسُرون} برفع السين {فريقاً} وهم النساء والذَّراري، {وأَورَثكم أرضَهم وديارهم} يعني عَقارهم ونخيلهم ومنازلهم {وأموالَهم} من الذهب والفضة والحُلِيّ والعبيد والإِماء {وأرضاً لم تطؤوها} أي: لم تطؤوها بأقدامكم بَعْدُ، وهي مما سنفتحها عليكم؛ وفيها أربعة أقوال.
أحدها: أنها فارس والروم، قاله الحسن.
والثاني: ما ظهر عليه المسلمون إِلى يوم القيامة، قاله عكرمة.
والثالث: مكة، قاله قتادة.
والرابع: خيبر، قاله ابن زيد، وابن السائب، وابن إِسحاق، ومقاتل.


قوله تعالى: {يا أيُّها النبيُّ قُلْ لأزواجكَ...} الآية، ذكر أهل التفسير أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سألنه شيئاً من عرض الدنيا، وطلبن منه زيادة النفقة، وآذينه بغَيْرة بعضهنّ على بعض، فآلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْهُنَّ شهراً، وصَعِد إِلى غرفة له فمكث فيها، فنزلت هذه الآية، وكُنَّ أزواجُه يومئذ تسعاً. عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وسَوْدة، وأم سَلَمة، وصَفِيَّة الخيبريَّه، وميمونة الهلالية؛ وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض الآية عليهنّ، فبدأ بعائشة، فاختارت الله ورسوله، ثم قالت: يا رسول الله لا تُخبر أزواجك أنِّي اخترتك؛ فقال: «إِن الله بعثني مُبلِّغاً ولم يبعثني متعنِّتاً» وقد ذكرت حديث التخيير في كتاب الحدائق وفي المغني بطوله. وفي ما خيَّرهنَّ فيه قولان:
أحدهما: أنه خيَّرهن بين الطلاق والمقام معه، هذا قول عائشة عليها السلام.
والثاني: أنه خيَّرهنَّ بين اختيار الدنيا فيفارقهنّ، أو اختيار الآخرة فيُمسكهنّ، ولم يخيِّرهنّ في الطلاق، قاله الحسن، وقتادة.
وفي سبب تخييره إِيَّاهُنَّ ثلاثة أقوال.
أحدها: أنَّهنَّ سألنَه زيادة النَّفقة.
والثاني: أنَّهنَّ آذَينه بالغَيْرة، والقولان مشهوران في التفسير.
والثالث: أنه لمَّا خُيِّر بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة، أُمِر بتخيير نسائه ليكنَّ على مِثْل حاله، حكاه أبو القاسم الصَّيمري.
والمراد بقوله: {أُمَتَّعْكُنَّ}: مُتعة الطلاق. والمراد بالسَّراح: الطلاق، وقد ذكرنا ذلك في [البقرة: 231]. والمراد بالدار الآخرة. الجنة. والمُحْسِنات: المُؤْثِرات للآخرة.
قال المفسرون: فلمّا اخْتَرْنَه أثابهنَّ اللّهُ عز وجل ثلاثة أشياء.
أحدها: التفضيل على سائر النساء بقوله: {لَسْتُنَّ كأحَد من النساء}.
والثاني: أن جَعَلَهُنَّ أُمَّهات المؤمنين.
والثالث: أن حظر عليه طلاقَهُنَّ والاستبدال بهنّ بقوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52]. وهل أُبيح له بعد ذلك التزويج عليهنّ؟ فيه قولان سيأتي ذِكْرهما إِن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: {مَنْ يأتِ مِنْكُنَّ بفاحشة مُبَيِّنة} أي: بمعصية ظاهرة. قال ابن عباس: يعني النشوز وسوءَ الخُلُق {يُضَاعَفْ لها العذابُ ضِعفين} أي: يُجعل عذاب جُرمها في الآخرة كعذاب جُرمَين، كما أنها تُؤتى أجرَها على الطاعة مرتين. وإِنما ضوعف عِقابُهنّ، لأنهنَّ يشاهدن من الزّواجر الرَّادعة مالا يُشاهِد غيرُهن، فاذا لم يمتنعن استحققن تضعيف العذاب، ولأن في معصيتهنَّ أذىً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وجُرم من آذى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أكبرُ من جُرم غيره.
قوله تعالى: {وكان ذلك على الله يسيراً} أي: وكان عذابُها على الله هيِّناً. {ومن يَقْنُت} أي: تُطع، و{وأعتدنا} قد سبق بيانه [النساء: 37]، والرِّزق الكريم: الحَسَن، وهو الجنة.
ثُمَّ أظهر فضيلتهنَّ على النساء بقوله: {لَسْتُنَّ كأَحد من النساء} قال الزجاج: لم يقل: كواحدة من النساء، لأن أَحَداً نفي عامّ للمذكَّر والمؤنَّث والواحد والجماعة.
قال ابن عباس: يريد ليس قدرُكُنَّ عندي مثل قَدْر غيركنَّ من النساء الصالحات، أنْتُنَّ أكرمُ عليَّ، وثوابُكُنَّ أعظم {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}، فشرط عليهن التقوى بياناً أن فضيلتهنَّ إِنَّما تكون بالتقوى، لا بنفس اتصالهنَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى: {فلا تَخْضَعْنَ بالقول} أي: لا تلِنَّ بالكلام {فَيَطْمَعَ الذي في قلبه مرض} أي: فُجور؛ والمعنى: لا تَقُلْنَ قولاً يجد به منافق أو فاجر سبيلاً إِلى موافقتكن له؛ والمرأة مندوبة إِذا خاطبت الأجانب إِلى الغِلظة في المَقَالة، لأن ذلك أبعد من الطمع في الرِّيبة.
{وقُلْنَ قولاً معروفاً} أي: صحيحاً عفيفاً لا يُطمِع فاجراً.
{وقَرْنَ في بُيوتِكُنَّ} قرأ نافع، وعاصم إِلا أبان، وهبيرة، والوليد بن مسلم عن ابن عامر: {وقََرْنَ} بفتح القاف؛ وقرأ الباقون بكسرها. قال الفراء: من قرأ بالفتح، فهو من قَرَرْتُ في المكان، فخفِّفت، كما قال: {ظَلْتَ عليه عاكفاً} [طه: 97]، ومن قرأ بالكسر، فمن الوَقار، يقال: قِرْ في منزلك. وقال ابن قتيبة: من قرأ بالكسر، فهو من الوقار، يقال: وَقَرَ في منزله يَقِرُ وَقُوراً. ومن قرأ بنصب القاف جعله من القرار. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو المتوكل {واقْرَرْنَ} باسكان القاف وبراءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة مثله، إِلا أنهما كسرا الراء الأولى.
قال المفسرون: ومعنى الآية: الأمر لهن بالتوقُّر والسكون في بُيوتهنَّ وأن لا يَخْرُجْنَ.
قوله تعالى: {ولا تَبَرَّجْنَ} قال أبو عبيدة: التبرُّج: أن يُبْرِزن محاسنهن. وقال الزجاج: التبرُّج: إِظهار الزِّينة وما يُستدعى به شهوةُ الرجل.
وفي {الجاهلية الأولى} أربعة أقوال.
أحدها: أنها كانت بين إِدريس ونوح، وكانت ألف سنة، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: أنها كانت على عهد إِبراهيم عليه السلام، وهو قول عائشة رضي الله عنها.
والثالث: بين نوح وآدم، قاله الحكم.
والرابع: ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام، قاله الشعبي. قال الزجاج: وإِنما قيل: {الأولى}، لأن كل متقدِّم أوَّل، وكل متقدِّمة أُولى، فتأويله: أنهم تقدّموا أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي صفة تبرُّج الجاهلية الأولى ستة أقوال.
أحدها: أن المرأة كانت تخرج فتمشي بين الرجال، فهو التبرج، قاله مجاهد.
والثاني: أنها مِشية فيها تكسُّر وتغنُّج، قاله قتادة.
والثالث: أنه التبختر، قاله ابن أبي نجيح.
والرابع: أن المرأة منهن كانت تتخذ الدِّرع من اللؤلؤ فتَلْبَسُه ثم تمشي وسط الطريق ليس عليها غيره، وذلك في زمن إِبراهيم عليه السلام، قاله الكلبي.
والخامس: أنها كانت تُلقي الخِمار عن رأسها ولا تشُدُّه، فيُرى قُرْطها وقلائدها، قاله مقاتل.
والسادس: أنها كانت تَلْبَس الثياب تبلغ المال، لا تواري جَسدها، حكاه الفراء.
قوله تعالى: {إِنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عنكم الرِّجس} وفيه للمفسرين خمسة أقوال.
أحدها: الشرك، قاله الحسن.
والثاني: الإِثم، قاله السدي.
والثالث: الشيطان، قاله ابن زيد.
والرابع: الشكّ.
والخامس: المعاصي، حكاهما الماوردي. قال الزجاج: الرِّجس: كل مستقذَر من مأكول أو عمل أو فاحشة.
ونصب {أهلَ البيت} على وجهين.
أحدهما: على معنى: أعني أهلَ البيت.
والثاني: على النداء، فالمعنى: يا أهل البيت.
وفي المراد بأهل البيت هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهنَّ في بيته، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، وابن السائب، ومقاتل. ويؤكذ هذا القولَ أن ما قبله وبعده متعلِّق بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى أرباب هذا القول اعتراض، وهو أن جمع المؤنَّث بالنون، فكيف قيل: {عنكم} {ويطهركم}؟ فالجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهنَّ، فغلّب المذكَّر.
والثاني: أنه خاصٌّ في رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليَ وفاطمة والحسن والحسين، قاله أبو سعيد الخدري. وروي عن أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك.
والثالث: أنهم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه، قاله الضحاك. وحكى الزجاج أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال الذين هم آله؛ قال: واللغة تدل على أنها للنساء والرجال جميعاً، لقوله: {عنكم} بالميم، ولو كانت للنساء، لم يجز إِلاَّ عنكنّ ويُطهركنّ.
قوله تعالى: {ويُطَهِّرَكم تطهيراً} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: من الشِّرك، قاله مجاهد.
والثاني: من السُّوء، قاله قتادة.
والثالث: من الإِثم، قاله السدي، ومقاتل.
قوله تعالى: {واذكُرْنَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه تذكير لهنَّ بالنِّعَم.
والثاني: أنه أمرٌ لهنَّ بحفظ ذلك. فمعنى {واذكُرْنَ}: واحفَظْن {ما يُتْلى في بيوتكُنَّ من آيات الله} يعني القرآن. وفي الحكمة قولان:
أحدهما: أنها السُّنَّة، قاله قتادة.
والثاني: الأمر والنهي، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {إِن الله كان لطيفاً} أي: ذا لطف بكُنَّ إِذْ جعلكُنَّ في البيوت التي تُتْلى فيها آياتُه {خبيراً} بكُنَّ إِذ اختارَكُنَّ لرسوله.


قوله تعالى: {إِنَّ المسلمين والمسلمات} في سبب نزولها خمسة أقوال.
أحدها: أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم قُلْنَ: ما له ليس يُذْكَر إِلاَّ المؤمنون، ولا تُذْكَر المؤمنات بشيء؟! فنزلت هذه الآية، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس.
والثاني: أن أُمَّ سَلَمَة قالت: يا رسول الله يُذْكَرُ الرجال ولا نُذْكَر! فنزلت هذه الآية، ونزل قوله: {لا أُضِيعُ عمل عامل منكم} [آل عمران: 195]، قاله مجاهد.
والثالث: أن أُمَّ عُمَارة الأنصارية قالت: قلت: يا رسول الله بأبي وأُمِّي ما بالُ الرجال يُذْكَرون، ولا تُذْكرَ النساء؟! فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة. وذكر مقاتل بن سليمان أن أُمُّ سَلَمة وأُمُّ عُمَارة قالتا ذلك، فنزلت هذه الآية في قولهما.
والرابع: أن الله تعالى لمَّا ذكر أزواج رسوله دخل النساءُ المُسْلمات عليهنَّ فقُلْنَ: ذُكِرْتُنَّ ولم نُذْكَر، ولو كان فينا خيرٌ ذُكِرنا، فنزلت هذه الآية قاله قتادة.
والخامس: أن أسماء بنت عُمَيس لما رجعت من الحبشة دخلت على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قُلْنَ: لا، فأتت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إِن النساء لفي خَيْبة وخسار، قال: «ومم ذاك»؟ قالت: لأنهنَّ لا يُذْكَرْنَ بخير كما يُذْكَر الرجال، فنزلت هذه الآية، ذكره مقاتل بن حيَّان.
وقد سبق تفسير ألفاظ الآية في مواضع [البقرة: 129، 109، الاحزاب: 31، آل عمران: 17، البقرة: 45، يوسف: 88، البقرة: 184، الانبياء: 91، آل عمران: 191].

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8